لماذا توقفت آبل عن تصنيع الهواتف الصغيرة؟
أعلنت شركة آبل في وقت سابق من هذا الشهر عن هاتفها الجديد (iPhone SE)، الذي قد يكون الهاتف الأكثر جاذبية في تشكيلة الشركة بالنسبة لمجموعة واسعة من المستخدمين، ومع ذلك، فإن الهاتف أكبر قليلاً من النموذج السابق، وكان المستهلكون يأملون في الحصول على شاشة بقياس 4 إنشات أو أكبر قليلاً، لكن بحجم (iPhone SE) الأصلي نفسه.
ولا تعد شركة آبل الوحيدة التي تتخلى عن الهواتف الصغيرة، إذ ليس هناك الكثير من هواتف أندرويد الصغيرة أيضًا، وهناك أسباب لهذا الاتجاه قد تكون منطقية لكل من شركة التكنولوجيا والمستهلك، لكن هناك أيضًا أسباب لعدم تخلي آبل عن فئة من المستهلكين الذين لا يزالون يريدون هواتف صغيرة.
لماذا لم يعد هناك العديد من الهواتف الصغيرة:
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الكثير من الشركات تتوقف عن تصنيع الهواتف الذكية الصغيرة في هذه المرحلة والتوجه إلى صناعة الهواتف الأكبر حجمًا، ومن ضمنها العائدات الكبيرة التي تحققها الهواتف الأكبر حجمًا، وتركيز آبل على المحتوى والخدمات؛ مما يتطلب شاشات أكبر، والميزات الحديثة لا تتناسب مع الهواتف الأصغر حجمًا.
الهواتف الأكبر تعني عائدات أكبر:
يعكس ارتفاع أسعار الهواتف الذكية حقيقة أن بعض المستهلكين على استعداد لدفع مبالغ أكبر مما كانوا يدفعون سابقًا، بعد أن أصبحت الهواتف الذكية مركزية في العديد من جوانب الحياة، كما يعكس الارتفاع حقيقة أن آبل بحاجة إلى إرضاء المستثمرين، وفي حال لم تتمكن من تحقيق ذلك عن طريق بيع المزيد من الهواتف، فيمكنها ذلك عن طريق بيع عدد أقل من الهواتف بسعر أعلى لكل هاتف.
وتشهد الشركة المصنعة لهواتف آيفون تباطؤًا في نمو مبيعات الهواتف الذكية، وذلك بالنظر إلى أن السوق أصبحت مشبعة، كما أن المستهلكين يبتعدون عن تحديث هواتفهم لأسباب مختلفة أيضًا، مما يجعل عائدات مبيعات الهواتف الذكية المنخفضة التكلفة أكثر سلبية مما كانت عليه في الماضي.
وتحتاج آبل إلى بيع هواتف مرتفعة الثمن أكثر من ذي قبل لتعويض تراجع مبيعاتها بشكل عام، ومن المنطقي أن تُباع الهواتف الصغيرة بسعر أقل؛ لأنها تحتوي على مواد ومكونات أقل تكلفة، وفي حال لم تتمكن الشركة من بيع الهواتف الصغيرة بهامش ضخم فسيتمكن المنافس من كسر هذا السعر بهاتف مماثل.
التركيز على المحتوى والخدمات يتطلب شاشات أكبر:
تصاعد ضغط المستثمرين على آبل في السنوات الأخيرة للتعويض عن تباطؤ نمو مبيعات الهواتف الذكية، ولم تكن الهواتف المرتفعة الثمن هي الإستراتيجية الوحيدة للشركة، بل حاولت الترويج لبيع منتجات وخدمات إضافية للعملاء الحاليين، مثل: (AirPods) و (Apple Watch) و (Apple TV Plus) و (Apple Arcade) و (Apple Music).
وتتطلب هذه الإستراتيجية التعامل مع الهواتف الذكية كأجهزة رئيسية لاستهلاك المحتوى – ليس فقط لمقاطع الفيديو القصيرة، بل للجلسات الطويلة؛ من ألعاب (Arcade) أو برامج (Apple TV Plus) – ويعني هذا أنه من المنطقي وجود أجهزة ذات شاشات أكبر، إذ ليس من الممتع مشاهدة فيلم على شاشة بقياس 4 إنشات، خاصةً إذا كانت الشاشة ليست من نوعية (OLED) ولا تدعم ميزة (HDR).
الميزات الحديثة لا تتناسب مع الأجهزة الصغيرة:
أضافت آبل بمرور الوقت المزيد من الميزات والمكونات إلى الهواتف الذكية، بحيث تتطلب هذه الميزات مساحة أكبر داخل الهاتف، ويصادف أن معظم الأولويات لمشتري الهواتف الذكية هي عمر البطارية والكاميرات، مما يتعارض مع الهواتف الصغيرة لأسباب تقنية وتصميمية.
وتشكل تقنية بطارية ليثيوم أيون المتقادمة عبئًا على الهاتف الذكي الحديث، ويتم تخصيص نسبة كبيرة من الجزء الداخلي للهواتف الذكية الحديثة للبطاريات، وكلما كبر حجم الهاتف زادت سعة البطارية، والبطاريات الأكبر تعني عمر بطارية أطول.
كما أن كاميرات الهواتف الذكية مطلوبة اليوم بشكل كبير، وهناك سبب وراء اعتماد آبل بشكل كبير على التصوير الفوتوغرافي الحسابي من أجل تحسين الصور الملتقطة، إذ إن قيود المساحة تجعل من الصعب تحسين هذه الكاميرات أكثر، وخاصةً عندما تتطلب الميزات الجديدة عدسات إضافية.
وتُجري آبل العديد من الأبحاث السوقية وتعدل منتجاتها وفقًا لذلك، ويبدو أن نتائج الأبحاث تشير إلى أن الغالبية العظمى من المستهلكين يريدون هواتف كبيرة بسبب الحاجة لشاشات كبيرة وعمر أطول للبطارية، لكن لا يزال هناك جمهور يريد الهواتف الصغيرة، ولا يجب على آبل التخلي عن الهواتف الصغيرة، مثل (iPhone SE) الأصلي.
لماذا يجب على آبل تصنيع الهواتف الصغيرة:
عكست مجموعة منتجات آبل سابقًا الفلسفة القائلة بأن منتجًا واحدًا يمكن أن يلبي احتياجات جميع المستخدمين، لكن هذا تغير حاليًا، إذ تتوفر الآن مجموعة كبيرة من أجهزة آيفون وآيباد.
ويقلل هذا الأمر من أهمية إحدى الميزات الأساسية بالنسبة لبعض مستهلكي آبل المتمثلة في التحرر من عبء الاختيار، إلا أنه من المهم لمستقبل منصات آبل أن تتعامل مع مجموعة متنوعة من المستخدمين، من ذوي الدخل المنخفض إلى ذوي الدخل المرتفع، ومن منطقة إلى أخرى، وما إلى ذلك.
ومع ازدياد أحجام الهواتف، فقد ظهرت العديد من الشكاوى، مثل: لماذا لا توجد هواتف تناسب الأشخاص ذوي الأيدي الصغيرة، ولماذا يجب أن يشتري بعض الأشخاص من ذوي الأيدي الصغيرة مرفقات لإمساك الهاتف الكبير الحجم بأمان، ولماذا يجب شراء أدوات وملحقات إضافية لمجرد حمل الهاتف؟
كما ظهرت شكاوى بشأن إمكانية الوصول، إذ هناك العديد من المستخدمين من ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون التعامل مع الهواتف الكبيرة، ويفضلون الهواتف الصغيرة الأكثر عملية بالنسبة لهم، وبالرغم من أن آبل قدمت العديد من الميزات المهمة ضمن نظام (iOS) لتسهيل التعامل مع الهاتف، لكنها لم تراعِ تنوع القدرة البشرية في الأجهزة أيضًا.
وتُعد مسألة الحجم مهمة أيضًا لتصميم البرامج، إذ بدأ المستخدمون يطالبون مطوري التطبيقات بنقل عناصر الواجهة إلى الأسفل بدلًا من الأعلى بعد أن أصبحت هواتف آبل كبيرة جدًا، وقدمت الشركة ميزة تسمى (قابلية الوصول) Reachability، التي تتيح للمستخدمين سحب الجزء العلوي من الإطار للأسفل لتسهيل الوصول إليه.
وعندما تلجأ آبل إلى تقديم هذه الميزة حتى يتمكن المستخدمون من الوصول بسهولة إلى واجهة المستخدم بأكملها، فذلك يعني أن هناك مشكلة تصميمية بدون حلول مناسبة، كما تسبب فشل آبل في تقديم خيارات تلبي الحاجات الكاملة للسوق في منع بعض فئات منتجاتها من الحصول على حصة سوقية مهيمنة.
ويتمثل الحل البسيط لتلك المشكلة في تزويد المستهلكين بهاتف أصغر كواحد من العديد من الخيارات، أي طرح جهاز بحجم جهاز (iPhone SE) الأصلي يناسب فئة مهمّشة في الوقت الحالي من المستخدمين.