أثر الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري
لو أردنا أن نتخلص من تقنيات الذكاء الاصطناعي كما تبدو في حياتنا اليوم، فسيكون من الصعب التكيف والتأقلم بدون هذه التقنيات، فلن نتمكن من استخدام خرائط وايز أو جوجل التي تدلنا إلى الاتجاهات أينما ذهبنا، ولن يوجد المساعد الشخصي سيري أو أليكسا لمساعدتنا في البحث على جوجل أو جدولة اجتماع مهم، ولا ننسى أن كباتن طائرات بوينج 777 يتحكمون بالطائرة ويحلقون بها بشكل فعلي لمدة سبع دقائق فقط، أما الباقي فيتم عن طريق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
في ظل غياب الذكاء الاصطناعي، لن يكون هناك أتمتة للتسويق، أو أدوات بيع ذكية تجتذب العملاء، أو أتمتة العمليات والاضطلاع برؤى الأعمال المفيدة، أو حتى روبوتات الدردشة (Chatbots) التي تجيب عن أسئلة العملاء البسيطة والمتكررة.
ويرى ماثيو كيبي، نائب رئيس قسم الخدمات في شركة سايج الشرق الأوسط وأفريقيا إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تؤدي الكثير من مهام (التفكير) بالنيابة عنا، فهي التي تقول لنا ما نفعله على مدار السنوات الماضية، ونحن نستمع إليها لأننا ندرك تماماً مدى صحتها.
قد يقول قائل إن هذه التقنيات تجعلنا كسالى، لكنها في الواقع حررتنا من المهام الروتينية المملة ومنحتنا مزيداً من الوقت لنبدع ونفكر في تطوير أعمالنا وحل المشاكل الاجتماعية بطرق جديدة، أو حتى الوقاية من هذه المشاكل أصلاً.
مجرد بداية.
تنمو سوق الذكاء الاصطناعي بوتيرة مدهشة، إذ تتوقع مؤسسة البيانات الدولية (آي دي سي) أن قيمة هذه السوق ستتجاوز 79 مليار دولار بحلول العام 2022، بينما قالت شركة جارتنر العالمية للأبحاث إن الذكاء الاصطناعي سيصبح من أهم خمسة أولويات استثمارية لأكثر من 30% من الرؤساء التنفيذيين لتكنولوجيا المعلومات في العام 2020.
كل هذا ونحن ما زلنا في دائرة الذكاء الضيقة، لكن ماذا سيحدث عندما نبدأ بالتوسع والاقتراب من دائرة الذكاء العام، أو ما يسمى بالذكاء الفائق (Super Intelligence)؟
صحيح أننا ما زلنا أذكى من الآلات، فهي تعطينا البيانات ونحن نقرر ما نفعل بها ونخبرها عن ماذا تبحث وغير ذلك من الأوامر، لكن الهدف من الذكاء العام هو تقليد الدماغ البشري بشكل فعال لكي تتمكن الآلات من التصرف بدون أن نخبرها بما تفعله، لكن ماذا سيحدث في هذه الحالة إذاً؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال، علينا أن نفكر بماهية الإنسان أولاً، إذ بمقدوره معالجة البيانات بسرعة والاستفادة من حس البديهة والإبداع والتعاطف عند اتخاذ القرار، على عكس الآلات التي قد لا تستطيع تقليد المشاعر والعواطف البشرية نهائياً، ولهذا السبب بالتحديد تحتاج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء البشري لدعمها، فنحن من صنعنا هذه التكنولوجيا في المقام الأول.
لا شك بأن الأفراد الأذكياء سيصنعون شبكات عصبية صناعية قادرة على التفكير والتصرف مثل البشر، حيث ستقوم الآلات بتحليل البيانات المعقدة بشكل فوري واتخاذ القرارات بنفسها، وقد لا يكون لدينا خيار سوى قبول هذه القرارات، إلا إذا أردنا قضاء عقود طويلة لتحليل بيانات قامت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بمعالجتها مسبقاً في غضون ثوانٍ معدودة.
في نفس الوقت الذي تستغرقه خرائط وايز لحساب طريق معين، تستطيع خوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تتوقع الكوارث الطبيعية لتمكين فرق الاستجابة للطوارئ من التصرف بشكل أسرع وأكثر فعالية.
وبإمكان تلك الخوارزميات أن تحلل تاريخ عائلتك الطبي للاضطلاع ببرنامج علاجي مخصص وتحسين فرص الشفاء، ناهيك عن قدرة الساعات الذكية على إخبار مستخدميها للتوجه إلى الطبيب فوراً لأنهم معرضون لخطر الإصابة بنوبة قلبية.
لا وجود للذكاء الاصطناعي بدون البشر.
ليس هناك وجه استفادة من الذكاء الاصطناعي بدون وجود البشر الذين يتخذون القرارات والأفعال على أرض الواقع، سواء أكان ذلك يتمثل بفرق الطوارئ التي تنقذ الأرواح، أو الأطباء الذين يراقبون المؤشرات الحيوية للمرضى واستجابتهم للعلاج، أو قادة الأعمال الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لإحداث تغيير في قطاعاتهم.
لقد أسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الذكاء البشري، ففي عالم الأعمال مثلاً، أسهمت تقنيات الحوسبة السحابية، والبرمجيات كخدمات، وأتمتة العمليات، في تقليل الأعباء الإدارية وتوفير الرؤى المفيدة التي تحتاجها الأعمال للحد من التعقيدات والحفاظ على المنافسة.
لذا فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تغير الطريقة التي تدير بها الشركات موظفيها وعملياتها بهدف تحسين خدمة العملاء وتعزيز الإنتاجية وقيادة دفة الشركات نحو التكنولوجيا المبتكرة.
إن الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي يكملان بعضهما بعضاً، فلا وجود لأحدهما بمعزل عن الآخر، وقد تصبح الآلات أذكى منا يوماً ما، لكن أليس هذا أمراً جيداً؟ عندما نعلم ما نود أن نفعله بدقة، فإننا نتمكن من تحصيل نتائج أفضل وأسرع، وهذا بالضبط ما كنا نحاول أن نحققه على مدار عقود طويلة.